خطبة الجمعة للدكتور خالد بدير : إنسانية الحضارة الإسلامية بتاريخ 3 ديسمبر 2021م
خطبة الجمعة القادمة 3 ديسمبر 2021م : إنسانية الحضارة الإسلامية ، للدكتور خالد بدير، بتاريخ: 28 ربيع الآخر 1443هـ – 3 ديسمبر 2021م.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 3 ديسمبر 2021م ، للدكتور خالد بدير : إنسانية الحضارة الإسلامية :
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 3 ديسمبر 2021م ، للدكتور خالد بدير: إنسانية الحضارة الإسلامية ، بصيغة word أضغط هنا.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 3 ديسمبر 2021م ، للدكتور خالد بدير : إنسانية الحضارة الإسلامية ، بصيغة pdf أضغط هنا.
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف
للمزيد علي قسم خطبة الجمعة القادمة
عناصر خطبة الجمعة القادمة 3 ديسمبر 2021م ، للدكتور خالد بدير : إنسانية الحضارة الإسلامية : كما يلي:
أولًا: الإسلامُ دينُ إنسانية
ثانيًا: مظاهرُ وصورُ الجوانبِ الإنسانيةِ
ثالثًا: حاجةُ الأمةِ إلى الجوانبِ الإنسانيةِ
ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 3 ديسمبر 2021م ، للدكتور خالد بدير : إنسانية الحضارة الإسلامية : كما يلي:
الحمدُ للهِ نحمدُهُ ونستعينُهُ ونتوبُ إليه ونستغفرهُ ونؤمنُ به ونتوكلُ عليه ونعوذُ به من شرورِ أنفسِنَا وسيئاتِ أعمالِنَا، ونشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له وأنّ محمدًا عبدُهُ ورسولُهُ، صلى اللهُ عليه وسلم.أما بعد:
العنصر الأول من خطبة الجمعة :
أولًا: الإسلامُ دينُ إنسانية
إنّ رسالةَ الإسلامِ رسالةٌ إنسانيةٌ، فقد جاءتْ لتراعي إنسانيةَ الإنسانِ فيما تأمرُ به أو تنهي عنه، وإذا نظرنا إلى العباداتِ كلِّها وجدنَا فيها معاني إنسانيةً ساميةً، فالزكاةُ المفروضةُ- مثلاً – ليستْ ضريبةً تؤخذُ من الجيوبِ، بل فيها معاني إنسانيةٌ ساميةٌ، فهي غرسٌ لمشاعر الحنانِ والرأفةِ، وتوطيدٌ لعلاقاتِ التعارفِ والألفةِ بين شتى الطبقاتِ، وقد نصَّ القرآنُ على الغايةِ من إخراجِ الزكاةِ بقولِهِ: { خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ} [التوبة: 103].
وفي الصيامِ : نعلمُ أنّ رمضانَ هو شهرُ الأخلاقِ، فهو شهرُ الصبرِ، وشهرُ الصدقِ، وشهرُ الكرمِ، وشهرُ الصلةِ، وشهرُ الرحمةِ، وشهرُ الصفحِ، وشهرُ المراقبةِ، وشهرُ التقوى، وكلُّ هذه أخلاقٌ إنسانيةٌ يغرسُها الصومُ في نفوسِ الصائمين من خلالِ قولهِ تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }. [ البقرة : 183]، بكلِّ ما تحمله كلمةُ التقوى من دلالاتٍ ومعانٍ إيمانيةٍ وأخلاقيةٍ وإنسانيةٍ.
وشعيرةُ الحجِّ: مدرسةٌ أخلاقيةٌ وإنسانيةٌ، فواجبٌ على الحاج أنْ يجتنبَ الرفثَ والفسوقَ والجدالَ والخصامَ في الحجِّ، فضلاً عن غرسِ قيمِ الصبرِ وتحملِ المشاقِ والمساواةِ بين الغنيِّ والفقيرِ والتجردِ من الأمراضِ الخلقيةِ.
ولقد ضربَ لنا رسولُ اللهِ – صلى اللهُ عليه وسلم – أروعَ الأمثلةِ في القيمِ والمعاني الإنسانيةِ والخلقيةِ قبل البعثةِ وبعدهَا ، وقد شهدَ له العدوُّ قبل القريبِ؛ ونحن نعلمُ قولَ السيدةِ خديجة فيه لما نزلَ عليه الوحيُ وجاء يرجفُ فؤادُهُ:” كَلَّا وَاللَّهِ مَا يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا؛ إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَحْمِلُ الْكَلَّ، وَتَكْسِبُ الْمَعْدُومَ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ”. ( متفق عليه )؛ بل إنّ الرسولَ – صلى اللهُ عليه وسلم – صاحبُ الرسالةِ المحمديةِ، كان مشهورًا وملقبًا في قريشٍ قبل البعثةِ بالصادقِ الأمينِ.
وأما بعد البعثةِ فقد شهدَ له ربُّهُ بقولِهِ : { ﻭَﺇِﻧَّﻚَ ﻟَﻌَﻠَﻰ ﺧُﻠُﻖٍ ﻋَﻈِﻴﻢٍ }[القلم: 4 ]؛ ولقد شهدتْ له زوجُهُ عائشةُ رضي اللهُ عنها، وهي ألصقُ الناسِ به، وأكثرهُم وقوفًا على أفعالهِ في بيتِهِ، بأنّه صلى اللهُ عليه وسلم: ” كان خلقُهُ القرآنَ”، (مسلم )؛ يقول الإمامُ الشاطبيُّ: “وإنما كان صلى اللهُ عليه وسلم خلقهُ القرآنَ؛ لأنّه حكَّمَ الوحيَ على نفسهِ حتى صارَ في عملهِ وعلمهِ على وفقِهِ، فكان للوحي موافقًا قائلاً مذعنًا ملبيًا واقفًا عند حكمهِ”. فكان صلى اللهُ عليه وسلم قرآنًا يمشي على الأرضِ. وهكذا كانتْ الرسالةُ المحمديةُ رسالةً إنسانيةً، في كلِّ مجالاتِها.
العنصر الثاني من خطبة الجمعة :
ثانيًا: مظاهرُ وصورُ الجوانبِ الإنسانيةِ
للجوانبِ الإنسانيةِ صورٌ عديدةٌ في الإسلام، تشملُ أفرادًا وأعمارًا وألوانًا مختلفةً من ضعافِ المجتمعِ منها :
الإنسانيةٌ في التعاملِ مع الخدمِ والعبيدِ: فعن أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:”خَدَمْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشْرَ سِنِينَ فَمَا قَالَ لِي أُفٍّ وَلَا لِمَ صَنَعْتَ وَلَا أَلَّا صَنَعْتَ”(البخاري مسلم)، وعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: “مَا ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا قَطُّ بِيَدِهِ وَلَا امْرَأَةً وَلَا خَادِمًا إِلَّا أَنْ يُجَاهِدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَمَا نِيلَ مِنْهُ شَيْءٌ قَطُّ فَيَنْتَقِمَ مِنْ صَاحِبِهِ إِلَّا أَنْ يُنْتَهَكَ شَيْءٌ مِنْ مَحَارِمِ اللَّهِ فَيَنْتَقِمَ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ”(البخاري ومسلم).
ومنها: الإنسانيةُ في التعاملِ مع الأطفالِ والصبيانِ: فقد كان صلى اللهُ عليه وسلم رحيمًا بالأطفالِ: فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن شَدَّادِ بن الْهَادِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِي إِحْدَى صَلاتَيِّ النَّهَارِ: الظُّهْرِ أَوِ الْعَصْرِ، وَهُوَ حَامِلٌ الْحَسَنَ أَوِ الْحُسَيْنَ، فَتَقَدَّمَ فَوَضَعَهُ عِنْدَ قَدَمِهِ الْيُمْنَى، فَسَجَدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَجْدَةً فَأَطَالَهَا، فَرَفَعْتُ رَأْسِيَ مِنْ بَيْنِ النَّاسِ، فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَاجِدٌ، وَإِذَا الْغُلامُ رَاكِبٌ ظَهْرَهُ، فَعُدْتُ فَسَجَدْتُ، فَلَمَّا انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ نَاسٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَقَدْ سَجَدْتَ فِي صَلاتِكَ هَذِهِ سَجْدَةً مَا كُنْتَ تَسْجُدُهَا، أَشَيْئًا أُمِرْتَ بِهِ، أَوْ كَانَ يُوحَى إِلَيْكَ؟ قَالَ: “كُلٌّ لَمْ يَكُنْ، وَلَكِنَّ ابْنِي ارْتَحَلَنِي، فَكَرِهْتُ أَنْ أُعْجِلَهُ حَتَّى يَقْضِيَ حَاجَتَهُ”.(أحمدُ والطبرانيُّ والحاكمُ وصححه)، وعَنْ أَبِي قَتَادَةَ الأَنْصَارِيِّ ، قَالَ : رَأَيْتُ ” النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَؤُمُّ النَّاسَ ، وَأُمَامَةُ بِنْتُ أَبِي الْعَاصِ وَهِيَ ابْنَةُ زَيْنَبَ بِنْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، عَلَى عَاتِقِهِ ، ” فَإِذَا رَكَعَ ، وَضَعَهَا ، وَإِذَا رَفَعَ مِنَ السُّجُودِ ، أَعَادَهَا “. (مسلم).
ومنها: الإنسانيةُ في التعاملِ مع الأسرى: فكانَ صلى اللهُ عليه وسلم يدفعُ الأسيرَ إلى بعضِ صحبهِ ويقولُ: {أحسنْ إليه} فيؤثرَهُ على نفسِهِ وأهلِهِ إمعانًا في العملِ بوصيةِ رسولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم، وهذا معنى قولِهِ تعالى: { وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا}.[الإنسان: 8 ؛ 9].
ومنها : الإنسانيةُ في إقامةِ الحدودِ: فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:” أُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَجُلٍ قَدْ شَرِبَ قَالَ: اضْرِبُوهُ. قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَمِنَّا الضَّارِبُ بِيَدِهِ وَالضَّارِبُ بِنَعْلِهِ وَالضَّارِبُ بِثَوْبِهِ؛ فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ: أَخْزَاكَ اللَّهُ. قَالَ: لَا تَقُولُوا هَكَذَا لَا تُعِينُوا عَلَيْهِ الشَّيْطَانَ” ( البخاري).
ومنها: الإنسانيةٌ في التعاملِ مع الحيوانِ: فقد شكا الجملُ صاحبَهُ إلى النبيِّ – صلى اللهُ عليه وسلم – فَقَالَ: “اتَّقُوا اللَّهَ فِي هَذِهِ الْبَهَائِمِ الْمُعْجَمَةِ فَارْكَبُوهَا صَالِحَةً وَكُلُوهَا صَالِحَةً” (أبوداود وابن خزيمة بسند صحيح)، ونحن نعلمُ أنّ امرأةً دخلتْ النارَ في هرةٍ ؛ لأنّها أساءتْ إليها ولم تتعاملْ معها بإنسانيةٍ ، ورجلًا دخلَ الجنةَ في كلبٍ ؛ لأنّه أحسنَ إليه وسقاهُ وتعاملَ معه بإنسانيةٍ ، والقصتانِ بتمامهِمَا في البخاريِ ومسلم.
وتتجاوزُ رحمتُهُ– صلى اللهُ عليه وسلم – البهائمَ إلى العصفورِ ! حيثُ يقولُ: “مَنْ قَتَلَ عُصْفُورًا عَبَثًا عَجَّ إِلَى اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَقُولُ: يَا رَبِّ، إِنَّ فُلاَنًا قَتَلَنِي عَبَثًا، وَلَمْ يَقْتُلْنِي لِمَنْفَعَةٍ” (النسائي وابن حبان).
ومنها: الإنسانيةٌ في التعاملِ مع كبارِ السنِّ: فقد جاء أبو بكرٍ بأبيهِ عامَ الفتحِ يقودُهُ نحو رسولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم ورأسُهُ كالثَّغامةِ بياضًا من شدةِ الشيبِ، فرحمَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم شيخوخَتَهُ وقال: “هلا تركتَ الشيخَ في بيتهِ حتى أكونَ أنا آتيَهُ فيه، قال أبو بكرٍ رضي اللهُ عنه: هو أحقُّ أنْ يمشيَ إليك يا رسولَ اللهِ مِن أنْ تمشي إليه.” ( مجمع الزوائد – الهيثمي ) . وهو القائلُ صلى اللهُ عليه وسلم: ” لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا وَيُوَقِّرْ كَبِيرَنَا” . ( أحمد والترمذي والحاكم وصححه ).
ومنها: الإنسانيةٌ في التعاملِ مع غيرِ المسلمين: فالإنسانيةُ في الإسلامِ لم تقتصرْ على المسلمين فحسب؛ بل تعدتْ لتشملَ الكفارَ كذلك، فعندما قِيل له صلى الله عليه وسلم ادعُ على المشركين قال:” إنّي لم أُبعثْ لعانًا، وإنما بعثتُ رحمةً” (مسلم) ، وقال في أهلِ مكةَ – لما جاءَهُ ملَكُ الجبالِ ليأمرَهُ بما شاء- : ” بل أرجو أنْ يخرجَ اللهُ من أصلابِهم مَن يعبد اللهَ وحدَه لا يشرك به شيئا ” (البخاري ومسلم)، ولما أصيبَ في أحدٍ قال له الصحابةُ الكرامُ ادعُ على المشركين فقال:” اللهم اهدِ قومي فإنّهم لا يعلمون” (شعب الإيمان للبيهقي). هذه الإنسانيةُ لم تقصرْ على الأحياءِ من غيرِ المسلمين، بل شملتْ الأمواتَ كذلك . فروي ” أنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّتْ بِهِ جِنَازَةٌ فَقَامَ , فَقِيلَ لَهُ : إِنَّهَا جِنَازَةُ يَهُودِيٍّ ، فَقَالَ : أَلَيْسَتْ نَفْسًا ؟!” (متفق عليه).
ومنها: الإنسانيةُ في التعاملِ مع المخطئِ : فعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَامَ أعرَابِيٌّ فَبَالَ في الْمَسْجِدِ، فَتَنَاوَلَهُ النَّاسُ فَقَالَ لَهُمُ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم -: ” دَعُوهُ وَهَرِيْقُوا عَلَى بَوْلِهِ سَجْلاً مِنْ مَاءٍ، أوْ ذَنُوباً مِنْ مَاءٍ، فَإِنَّمَا بُعِثْتُمْ مُيَسِّرِينَ وَلَم تُبْعَثُوا مُعَسِّرِينَ “. (البخاري).
وبعدُ: فهذا غيضٌ مِن فيضٍ من صورٍ ونماذج الإنسانيةِ في الإسلام، ويكفي القلادةُ ما أحاطَ بالعنق!!!
العنصر الثالث من خطبة الجمعة :
ثالثًا: حاجةُ الأمةٍ إلى الجوانبِ الإنسانيةِ
ما أحوجَ الأمةَ الإسلاميةَ إلى تطبيقِ المعانيِ الإنسانيةِ التي تربى عليها الصحابةُ الكرامُ رضي اللهُ عنهم أجمعين، هذه الإنسانيةُ جعلتْ الواحدَ منهم يقضي وقتَهُ كلَّهُ من أجلِ احترامِ إنسانيةِ الإنسانِ الذي أمامَهُ، مهما كان موضع كلٍّ منهما، فهذه خولةُ بنت ثعلبة، ذاتَ يومٍ مرتْ بعمرَ بن الخطابِ رضي اللهُ عنه أيامَ خلافتهِ، وكان خارجًا من المنزل، فاستوقفتهُ طويلاً ووعظتهُ قائلةً له: يا عمرُ، كنت تُدعَى عُميرًا، ثم قِيل لك عُمر، ثم قيل لك يا أميرَ المؤمنين، فاتّق اللهَ يا عمر… فإنّ مَن أيقنَ بالموتِ خافَ الفوتَ، ومَن أيقنَ بالحسابِ خافَ العذابَ… وعمرُ رضي اللهُ عنه واقفٌ يسمعُ كلامَها بخشوعٍ، فقِيل له: يا أميرَ المؤمنين، أتقفُ لهذه العجوزِ هذا الوقوفَ كلَّه؟!! فقال عمرُ: واللهِ لو حبستني من أولِّ النهارِ إلى آخرهِ لا زلت “إلا للصلاةِ المكتوبةِ”، ثم سألهم: أتدرون مَن هذه العجوز؟ قالوا: لا. قال رضي اللهُ عنه: هي التي قد سمعَ اللهُ قولَها من فوقِ سبعِ سماواتٍ.. أفيسمعُ ربُّ العالمين قولهَا ولا يسمعُه عمر؟!!”رضي اللهُ عنه وأرضاهُ ( السيوطي في الدر المنثور).
فأين نحن مِن هذه المعانيِ الإنسانيةِ؟!
إنّنا في حاجةٍ إلى تطبيقِ القيمِ الإنسانيةِ – ولا سيما مع الضعفاءِ وذوي الاحتياجاتِ – وذلك بأنْ نقضي حاجتَهُم ونرفقَ بهم، فعن أنسٍ رضي اللهُ عنه: أنّ امرأةً كان في عقلٍها شيءٌ، فقالت: يا رسولَ اللهِ إنّ لي إليك حاجةً! فَقَالَ: “يَا أُمّ فُلاَنٍ! انظري أَيّ السّكَكِ شِئْتِ، حَتّىَ أَقْضِيَ لَكِ حَاجَتَكِ”، فَخَلَا مَعَهَا فِي بَعْضِ الطُّرُقِ، حَتَّى فَرَغَتْ مِنْ حَاجَتِهَا (مسلم). وهذا من حلمهِ وإنسانيتهِ صلى الله عليه وسلم وصبرهِ على قضاءِ حوائجِ ذوي الاحتياجاتِ الخاصةِ، وفي هذا خيرٌ كثيرٌ وبركةٌ عظيمةٌ للأمة بوجود هؤلاء الضعفاءِ، بل إنّ وجودَ الضعفاءِ في المجتمعِ سببٌ للنصرِ وسعةُ الرزقِ. يقولُ صلى اللهُ عليه وسلم: « إِنَّمَا تُرْزَقُونَ وَتُنْصَرُونَ بِضُعَفَائِكُمْ » .(الترمذي وصححه).
إنّنا نحتاجُ إلى إنسانيةٍ في التعاملِ مع الكبيرِ، إنسانيةٍ في التعاملِ مع المذنبِ، إنسانيةٍ في التعاملِ مع المخطئِ، إنسانيةٍ في التعاملِ مع الحيواناتِ، إنسانيةٍ في التعاملِ مع النساءِ، إنسانيةٍ في التعاملِ مع غيرِ المسلمين، إنسانيةٍ في تعاملِ الطبيبِ مع المرضى، إنسانيةٍ في تعاملِ ربِّ العملِ مع عمالهِ، إنسانيةٍ في تعاملِ الموظفين والمسئولين والإداريين مع الجماهيرِ وقضاءِ حوائجهِم، إنسانيةٍ في التعاملِ مع جميعِ فئاتِ المجتمعِ مع اختلافِ ثقافاتهِم وبيئاتهِم وأشكالهِم وألوانهِم ووظائفهِم وأحوالهِم، نحتاجُ أنْ نجسدَ الإنسانيةَ من خلالِ شخصيةِ الرسولِ – صلى الله عليه وسلم – في التعاملِ مع الآخرين، ونسقطهَا على أرضِ الواقعِ، فهو قدوتُنا وأسوتُنا – صلى الله عليه وسلم- . {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا}[ الأحزاب: 21].
فعليكُم بالإنسانيةِ والرفقِ واللينِ والرحمةِ بجميع فئاتِ المجتمعِ، الآباءِ والصبيانِ والأراملِ والعجزةِ والأُجراءِ وغيرهِم، إنّنا إنْ فعلنا ذلك تحققَ فينا قولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى”(مسلم).
اللهم اهدنا لأحسن الأخلاقٍ لا يهدي لأحسنها إلا أنت
واصرف عنا سيئها لا يصرفُ عنا سيئها إلا أنت،،،،،،
الدعاء،،،، وأقم الصلاة،،،، كتبه : خادم الدعوة الإسلامية
د / خالد بدير بدوي
_____________________________________
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات
للإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة
للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف